إن الهدف من هذه الدراسة هو رصد التعاطى الصينى مع إشكالية الإصلاح السياسى، التى باتت من أهم مفردات العلاقات الدولية فى خريف عصر الحرب الباردة وفى عصر ما بعد الحرب الباردة. وجوهر هذه الدراسة هو بيان كيف تفاعلت معطيات الشخصية الصينية، مع المتطلبات الوافدة من النظام الدولى السائد، والذى تتبوأ الولايات المتحدة وأوروبا موقع الصدارة فيه، ويسعى الغرب بإلحاح بالغ على مستوى خريطة العالم كله لتعميم النموذج الديمقراطى. وتسعى الدراسة إلى الإجابة عن تساؤل أساسى هو: إلى أى مدى استطاعت الصين أن تتمسك بثوابت شخصيتها القومية، مع التكيف فى نفس الوقت مع متطلبات لحظة العولمة الراهنة؟ فالصين نموذج فريد فى التوليف بين النموذجين الاشتراكى والرأسمالى على الصعيدين السياسى والاقتصادى. ويثير ذلك سؤالاً مركزياً: ما علة ذلك؟ وما درس الصين فى تحقيق الانسجام بين ثوابت الشخصية الصينية والواقع العالمى والإقليمى البالغ التشابك والسيولة فى اللحظة التى يتطلع هذا البحث إلى تحليلها. وتعتمد هذه الدراسة على المنهج التحليلى لرصد ثوابت الشخصية الصينية ومتغيرات النظام العالمى، واتجاه تأثير جدلية الثوابت مع المتغيرات على مسعى الإصلاح السياسى الصينى فى الربع قرن الأخير على مستوى: منظومة القيم السياسية، والتجديد المؤسسى المستند على المزج بين القيم الآسيوية، التى تمثل خصوصية صينية، والانفتاح فى العلاقة بين الأنا الصينى والغرب. وقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى قسمين وخاتمة. القسم الأول، تم فيه استعراض البعد القيمى من عملية الإصلاح السياسى على مستوى الجمع بين منظومة القيم السياسية النابعة من أرضية القيم الصينية والآسيوية، بالانفتاح على منظومة القيم الغربية بوصفها السائدة، وإقامة المجتمع الصينى المتناغم. أما القسم الثانى، فتم فيه استعراض البعد المؤسسى للإصلاح السياسى برصد التجسيدات والتجليات المؤسسية النابعة من خصوصيات صينية، والتجديد المؤسسى النابع من التكيف مع النسق المؤسسى الغربى السائد. وقد خلصت الدراسة إلى أن الصين استطاعت أن تقدم نموذجاً رائداً يقوم على تطعيم الاشتراكية بقيم الحرية والملكية بوصفها مرتكزات للمشروع الغربى، وهو ما عرف بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية، التى قامت على أفكار ماوتسى تونج ونظرية دينج ونظرية التمثيلات الثلاثة التى طرحها زيمين ومبادرة بناء مجتمع متناغم التى طرحها هوجنتاو لحفز التنمية العلمية ودفع التناغم الاجتماعى، وبذلك استطاعت الصين إجراء الإصلاح الاقتصادى من موقع المبادرة، ثم التجريب، ثم انتهاج التعميم المتدرج، لتطوير اقتصاد السوق الاشتراكى والديمقراطية الاشتراكية من أجل بناء مجتمع يحمل التقاليد البارزة للثقافة الصينية، فى الوقت الذى يستوعب فيه الثمار المفيدة للثقافة الغربية بصورة واسعة لتقديم الدعم الفكرى لبناء هذا المجتمع.