يرجع بعض الباحثين وجود المسلمين في الغرب إلى زمن الفتح الإسلامي، حيث فتح المسلمون جزءا كبيراً من اسبانيا وجنوب فرنسا وايطاليا في القرن الثامن الميلادي. كما أن تاريخ هجرة المسلمين إلى الغرب يتفاوت من دولة إلى دولة أخرى، إلا أنه يمكن القول أن جذور الهجرة الحديثة يمكن إرجاع بداياتها الى منتصف القرن التاسع عشر عندما وقعت بعض البلدان الإسلامية ضمن دائرة الاستعمار الأوروبي. كما ساهمت حرب الخليج الأولى والثانية والحروب الأهلية في بعض البلدان الإسلامية في هجرة أعداد كبيرة إلى البلدان الغربية. كما أن تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بعض البلدان الإسلامية قد أسهم في اتساع وجود الغالبية العظمى من أبناء المسلمين ليشمل معظم الدول الغربية، حتى أنه يلاحظ أن معظم المدن الكبيرة والصغيرة في الدول الغربية لا تكاد تخلو من أبناء الجاليات الإسلامية على الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة ومفصلة عن أعداد المسلمين في الغرب كون الإحصاءات الرسمية في هذه الدول لا تحدد هوية الشخص الدينية. ويلاحظ أن الوجود الإسلامي قد قل تماماً في القرون المتأخرة، وأصبح ذكرى بعيدة من الماضي بالنسبة إلى المسلمين والغرب على حد سواء. إن الوجود الإسلامي الذي يستحق الذكر في الغرب اليوم هو ذلك الذي نشأ منذ القرن التاسع عشر وبشكل خاص في القرن العشرين تحت تأثير العلاقات الجديدة التي نشأت بين البلدان الإسلامية والبلدان الغربية. تحاول هذه الدراسة أن تتناول بعض الجوانب المهمة في واقع المسلمين في الغرب وأهم المشاكل والتحديات التي تواجههم والآمال والتوجهات المستقبلية التي تقع في صلب أهداف الجاليات الإسلامية والتي هي موضع الاهتمام الأكبر لهم، وتحقيق تقدم يساهم في إيجاد مكانة متميزة للمسلمين في الغرب. هذا وسوف يتم تقسيم هذه الدراسة بعد التمهيد إلى ستة مباحث، حيث يتطرق المبحث الأول إلى نبذة تاريخية عن هجرة وأعداد المسلمين في الغرب، بينما يتناول المبحث الثاني تقسيم وشرائح الجاليات المسلمة في أوروبا وخصائصهم، كما ويتحدث المبحث الثالث عن تعامل الغرب مع الجاليات المسلمة من خلال النموذج الفرنسي والإنجليزي والإيطالي والأمريكي. أما المبحث الرابع فيتناول الدور الحضاري للمسلمين في الغرب من خلال أخذ النموذج النمساوي. ويتناول المبحث الخامس لأهم التحديات والمشاكل التي تواجه المسلمين في الغرب. وجاء المبحث السادس والأخير ليتحدث عن أهم الأهداف والآمال وتوجهات المستقبل للجاليات المسلمة في الغرب. خلصت هذه الدراسة إلى أن حجم الجالية المسلمة في الغرب سيستمر بالتزايد ابتغاء اغتنام فرص أفضل وذلك لتحسين معيشتهم وللنجاة من الاضطهاد السياسي في بعض البلاد الإسلامية معتمدة بذلك زيادة أو نقصانا على الاستقرار السياسي في العالمين العربي والإسلامي والتنمية الاقتصادية فيهما. كما خلصت الدراسة إلى أن الجالية المسلمة في الغرب تسعى إلى تحقيق تطوير في المؤسسات الدينية والاجتماعية والثقافية لتكون مراكز إشعاع حقيقية ترسخ القيم الإسلامية الإنسانية والحضارية في نفوس أبناء المسلمين، وتبصرهم بواجباتهم تجاه أمن ومستقبل المجتمعات التي يعيشون فيها، وذلك من خلال استمرار وتواصل واستقرار الحوار الإسلامي مع الأديان الأخرى، وترسيخاً للقواسم المشتركة والتعاون بين أبناء المجتمع الواحد. كما خلصت هذه الدراسة أيضاً إلى السعي وبجدية واهتمام كبيرين إلى تحويل حالة العداء والخوف والشك والترقب بين العالم الغربي والعالم الإسلامي إلى حالة يسودها الأمن والسلام والتواصل وتبادل المنافع وصولاً إلى إسناد ودعم ومؤازرة لقضايا المسلمين العادلة إن شاء الـلـه تعالى.