تشكل صناعة الإشهار التجاري أحد القطاعات الأسرع نموا و الأشد تأثيرا على التوجهات الاستهلاكية، سواء في الدول المتقدمة أو الدول الأقل نموا، و قد تنامى دور الإعلانات التجارية منذ نهاية الثلاثين سنة الرغدة بفعل اشتداد حدة المنافسة، انفتاح الأسواق العالمية أمام تدفقات السلع و الخدمات و التطور المذهل لتكنولوجيات الاعلام و الاتصال. ساهمت هذه العوامل، و غيرها، في بروز أدوات مبتكرة للترويج التسويقي و ترقية المبيعاب، أدوات تتسم جميعها باللجوء المكثف إلى أساليب الإغراء و التضليل، مما أدى إلى انفصام الممارسات التسويقية المعاصرة عن القيم الأخلاقية، و ابتعادها من ثم عن أداء دورها الأصيل في التعريف بالمنتجات و الترغيب فيها عبر إبراز مواصفاتها التي تستجيب فعليا لاحتياجات الزبون، مؤدية في نهاية المطاف إلى خلق ثقافات و ممارسات استهلاكية متوحشة، و ذات انعكاسات مدمرة لمقومات البقاء و الرقي الانساني. أمام هذا الوضع المقلق انبرى عدد من العقلاء إلى اتخاذ مواقف مناهضة لما أسموه بالتلوث الاشهاري Pollution Publicitaire بغية الحد من مخاطره، و تطرف بعضهم إلى حد المطالبة بمنع الاعلانات التجارية بشكل نهائي Mouvement Résistance à l’Agression Publicitaire )RAP)، غير أن هذه الصرخات و الدعوات ظلت حبيسة السياقات الاجتماعية و المواريث الثقافية الغربية مما أدى إلى انحرافها عن الوجهة الصحيحة في ترشيد الممارسات الاشهارية و حماية المستهلكين؛ الأمر الذي دفعنا إلى طرح هذه المشكلة من منظور إسلامي و قراءة هذه الممارسات على ضوء الضوابط و الأحكام التي شرعها المولى عز وجل بقصد صيانة النشاط التجاري و حماية حقوق الأطراف جميعا من الضرر و الضرار. و عليه فإن هذه الورقة مجرد مساهمة متواضعة في بيان مدى أحقية الطرح الاسلامي و نجاعة تدابيره و ضوابطه في ترشيد الممارسات التجارية و السلوكيات الاستهلاكية حفاظا على دعائم التماسك الاجتماعي و التوازن البيئي و الرقي الانساني.