يدرس هذا البحث المنهج النقدي التاريخي بما هو أداة لتحليل التاريخ "الموضوعي" لدى بعض النقاد، ووسيلة لسبر التاريخ "الوجودي" لدى آخرين؛ فيقف في القسم الأول عند هويته مبرزاً اندراجه في سياق النقد المنتمي للحداثة، موضحاً منابته الأولى في رحم المنزع الانطباعي في الفن عامة وبعض الفلسفات كالفلسفتين التجريبيّة والوضعيّة خاصة. وفي القسم الثاني يعرضالبحث لتعددية أفنان هذا المنهج مركّزاً على ثلاثة من رواده الكبار وهم على التوالي "سانت بوف" الذي استأنس خاصة بالانطباعية والتجريبية و"هيبوليت تين" الذي استند إلى الوضعية وتطبيقاتها في العلوم الاجتماعية والإنسانية، و"فرديناند برونتيار" الذي شيد فكره النقدي على التطورية المستوحاة من العلوم الطبيعية وتجلياتها في العلوم الاجتماعية. ويقف البحث عند مواطن اختلافهم وائتلافهم موضّحاً اتّصالهم الوثيق بثورة العلم والمعرفة، وازدهار الفنون والآداب والفلسفة. كما يشدّد على أنّ المنهج التاريخيّ منهج أكاديميّ النشأة فهو ذو صلة وثيقة بالحياة الجامعية وإطار البحوث والدراسات المعمقة؛ وبذلك ظل -على نحو ما- بمنأى عن التأثير المباشر للحياة السياسية والثقافية العامة. وقد تم تخصيص القسم الثالث للناقد "غوستاف لانسون"، بما هو علامة على اكتمال هذا المنهج واستقلاليته عن غيره من المناهج والتيارات. أما القسم الرابع فيبحث آليات اشتغال المنهج التاريخي لاسيما بعد نضجه واكتماله، مسلطاً الضوء على سماته الأكاديمية الدقيقة، ومحدّداً فرعيه البحثيين الأساسيين: فرع "النقد الفيلولوجي" المستند إلى مبحثي "النقد الببليوغرافي" و"علم تأريخ النصوص"، وفرع "نقد السيرة " الذي يتبنى "المنحى البيداغوجي" كما يتجلى في المجال الأكاديمي ويتميز عن "المنحى الديماغوجي" كما قد يظهر في الصحافة والإعلام. وفي القسم الخامس يعالج البحثُ ما غمض من تركة المنهج التاريخي مقتصراً على تراث غوستاف لانسون باعتباره عصارة هذا المنهج ورحيقه المختوم. كما يعرض القسم السادس إلى استفادة المناهج التالية له منه ومآخذها عليه، بادئاً بثالوث النقد الجديد من خلال مدرسة التحليل النفسي ومدرسة الشكلانيين الروس والمدرسة البنيوية، بالإضافة إلى المدرسة الماركسية والسوسيولوجية الجديدة، مثنّياً بآراء مناهج أخرى باختصار؛ كجمالية التلقي، والتأوليّة، والسيميائيّة، والتفكيكيّة، مركِّزاً على أهم ملامح مقارباتها المختلفة عن المقاربة الخاصة بالمنهج النقدي التاريخي.